وجود فريق العمل ذاتي التنظيم سيسهم في تعزيز بيئة عمل قويّة، وتوفير تصاميم أفضل وتنفيذ متطلبات أكثر رشاقة.
ففرق العمل ذاتية التنظيم يمكنها اتخاذ أفضل القرارات خلال تنفيذ المهام، من دون العودة إلى الإدارة في كل أمر. وبالتالي القدرة على تطوير منتج رقمي جيد صالح للاستعمال.
وهذا ما تضمّنه المبدأ الحادي عشر من مبادئ أجايل، والذي جاء في نصّه:
“The best architectures, requirements, and designs emerge from self-organizing teams”
إن أفضل البنيات والمواصفات والتصميمات
تنبثق عن فرق العمل ذاتية التنظيم
في هذا المقال سننتقل للحديث عن رسالة المبدأ الحادي عشر من مبادئ الإدارة الرشيقة، والتي توضّح أهميّة وجود فريق العمل ذاتي التنظيم في أثناء تصنيع المنتج الرقمي.
وذلك ضمن سلسلة مقالاتنا دليل الأجايل الاثني عشر.
ما مفهوم المبدأ الحادي عشر من أجايل؟
فَهمُ هذا المبدأ، ينطلق من الإجابة عن هذه الأسئلة:
- ماذا تتوقّع الإدارة من توظيف أفراد الفريق التقني؟
- ماذا ينتظر الفريق الإداري من مطور البرمجيات؟
قد تبدو الإجابة عن هذه الأسئلة أمراً بدهيّاً، فأهميّة وجود مطور البرمجيات، ترتبط ببناء المنتج الرقمي من خلال كتابة الشيفرة البرمجية (الكود).
لكن هذه إجابةٌ ناقصة!، لا تعبّر عن الغرض الوظيفي المباشر.
وهذا الأمر لا يقتّصر على الفريق التقنيّ فحسب، بل يُعنى به مصمّمو الواجهات، ومهندسو الجودة. إضافة إلى الاختصاصات الأخرى التي تلزم خلال عمليات بناء المنتج الرقمي، مثل: المحللين وعلماء البيانات وغيرهم.
في النهاية هم ليسوا روبوتات تُحوّل الأوامر والمهمات التي تتلقاها إلى شيفرةٍ رقميّة فقط، بل هم بشر قادرون على التخطيط والتحليل واتخاذ أفضل القرارات، في سبيل تطوير منتجٍ رقميٍ مثالي.
كيف نحقّق وجود فريق العمل ذاتي التنظيم على أرض الواقع؟
يجري ذلك عبر عدّة خطوات، يستطيع من خلالها فريق التطوير القيام بعمله بشكلٍ نموذجي.
وذلك من خلال تمكينه (empower) وتفويضه باتخاذ القرارات، التي تُسهم بصناعة المنتج الرقمي بالشكل المرجو.
1- طبيعة المنتج الرقمي
تتطلب طبيعة المنتج الرقمي، البحث والتطوير والتجريب، لذا لابدّ من وجود مساحة لتجربة التقنيّة وتطويرها (Experiments) ولمعرفة إن كانت تصلح لبناء المنتج الرقمي، أو لا.
وهذا الأمر يتطلّب القيام بـ (spike)، وهي عبارة عن مهمّة هدفها تجريب تقنيّة معيّنة من أجل الحصول على النتيجة المطلوبة.
ويمكن القيام بهذه المهمّة بقرار من التقني؛ حيث تحدّد نتيجتها التقنيةَ الأنسب لبناء المنتج الرقمي.
2- اختيار إطار العمل المناسب
يجري اختيار إطار العمل المناسب للفريق بمشاركة فريق التطوير والاستماع إلى رأيه في اختيار منهجيّة عمل محدّدة مثل إطار عمل سكرم أو غيره من أطر عمل أجايل.
علماً بأن دور سكرم ماستر أو مدرّب أجايل ضروري جدّاً في اختيار منهجيّة العمل، وقد يكون صاحب القرار الرئيس في اختيار إطار العمل المناسب، وعلى الرغم من ذلك، ينبغي له الإصغاء إلى آراء فريق التقنيين؛ حتّى يعلم مستوى خبراتهم الحقيقيّة.
وبالتالي جعله يسهم في اختيار منهجيّة محدّدة مثل سكرم وهي الأشهر بين منهجيات الإدارة الرشيقة. ومن الجدير بالذكر أنّ إطار سكرم يحوي كثيراً من البارامترات، التي يمكن تعديلها وتغييرها تبعاً لطبيعة الفريق والمشروع معاً.
3- صياغة المتطلبات وتطويرها بشكل مستمر
حيث إنّ فريق التطوير يسهم في صياغة المتطلّبات وتطويرها وصيانتها بشكل مستمر مع مالك المنتج، فمهندسي ضمان الجودة مثلاً فهم أفضل من يضع معايير القبول (acceptance criteria) لتحديد متى ينتهي تجهيز المتطلّبات، بالتشارك مع مالك المنتج.
وهذا يعني أنّ فريق التطوير ليس منفذاً أعمى لما يُطلب منه فقط، بل هو قادر على طرح المبادرات والتعديلات والأفكار بما يخصّ تنفيذ المتطلبات، وعجزه عن القيام بذلك يعدُّ مؤشراً خطيراً يدلّ على ضعف ثقافة الشركة، أو عدم التعامل مع أفرادها بشكل صحيح.
4- تقدير حجم العمل (Agile estimation)
فريق التطوير هو الأقدر على تقدير حجم العمل (Agile estimation) لمعرفته بكافّة مستلزماته وتحدّياته. وهنا يتبلور دور فريق التطوير بتحديد عدد الميزات أو حجم العمل الذي يمكن تسليمه في الموعد المحدد..
فإذا طلب الزبون تسليم 10 ميزات خلال شهرٍ واحد مثلاً، وكانت طاقة الفريق قادرة على تسليم 4 منها فقط، فهنا يتدخل فريق المطورين ويوضّح طبيعة الأمر للزبون.
لذلك من غير المنطقي أن تقع مهمّة التقدير الزمني على أفراد فريق العمل ثم يتم فرض ما يجب إنهائه بوقت ما على أفراد الفريق.
ومن جهة أخرى، ينبغي احترام مواعيد التسليم.
ولكي يتم الموازنة بين مواعيد التسليم وسرعة الفريق أو طاقته لابد من استخدام طريقة تقدير رشيقة.
ومن هنا نجد الفريق الأمثل الذي سيأتي بأفضل المخرجات، هو الذي يجمع بين التنظيم الذاتيّ وبين الإدارة معاً.
كيف يمكن تشكيل فريق عمل ذاتي التنظيم؟
يتطلب تشكيل هذا الفريق عدّة تدابير، منها:
- اختيار الأفراد المتحمسين، القادرين على مواجهة التحدّيات التي تعوّق تطوير المنتج الرقمي.
- تدريب وتهيئة أفراد الفريق على أكمل وجه.
- منحه الثقة، وتمكينه وتفويضه باتخاذ القرارات التي تندّرج تحت إطار عمله.
- رعاية الفريق، وتقديم الدعم اللازم له عن طريق مدرّب أجايل أو سكرم ماستر؛ ليزيل كافّة العقبات التي تقف أمامه.
- تنويع المهارات الموجودة في الفريق، والتي تلبي حاجة المشروع وتجعل الحلول المقترحة أكثر تنوعاً.
- تنوّع ثقافات أفراد الفريق واختلافهم بوجهات النظر سيعطي أفكاراً متميّزة، على عكس الفريق الذي يتّسم بلون وفكر واحد، فإنّه سيصل لحل وحيد لا يملك غيره وغالباً لن يكون الأفضل.
- اختلاف الخبرات: من الأفضل عدم بناء فريق مؤلف من الخبراء فقط (Seniors) لوجود مهمات بسيطة لن تحفّزهم على العمل، بينما ضمّه لأفراد بخبرة أقل سيفيد بتنفيذها، فضلاً عن كونها حافزاً للتطور بالنسبة للمبتدئين.
- تجنّب وجود شخص مهيمن، لا سيما إذا كان مدير الفريق ذاته، فإنّه سيعيق أفراد الفريق في التعبير عن آرائهم ومناقشتهم لأية نقطة بشكل سليم.
- استبعاد صاحب الفكر الثنائي (Binary Thinking) مهما كانت خبرته، فهذا النوع من الأفراد يستخدم مبدأ “إما أبيض أو أسود” في الوقت الذي يوجد فيه دائماً، منطقة رمادية واسعة في أي قضيّة.
- تجنّب تشكيل الفريق من أفراد مبتدئين بالكامل، ثم مطالبتهم بأن يكونوا ذاتيي التنظيم.
المعوّق الرئيس لتحقيق المبدأ الحادي عشر من مبادئ أجايل
غالباً ما يفضّل الأفراد التقنيون التعامل مع الآلة، أو كتابة الشيفرة البرمجية (كتابة الكود)، أو ممارسة العمل التقني بمختلف اختصاصاته على التعامل مع البشر. فلا يحبّذون الاتصال المباشر مع الزبون، أو حضور الاجتماعات، أو القيام بأي أمر يتطلب التواصل وجهاً لوجه.
علماً بأنّ تطوير البرمجيّات هو عمل بشري من الدرجة الأولى.
فحتّى هذه اللحظة تقف الآلات عاجزة عن القيام بمختلف العمليّات التي يقوم بها التقنيّون والمبرمجون..
وما حدث يعود لانطواء المبرمج على نفسه برفقة حاسوبه، وإهماله الحديث مع البشر، إضافة إلى انعدام رغبته في تسلّم الإدارة؛ فقيامه بذلك يعني بالنسبة له مغادرة الجانب التقني، ليمارس الأمور الإداريّة التي يمقتها، مثل إرسال رسائل البريد الإلكتروني، إلى حضور اجتماعات لا غير هو يعتقد أنها مملة ودون جدوى، وأخيراً عدم إمكانية كتابة الشيفرة البرمجيّة كما اعتاد أن يفعل سابقاً.
وهذا الأمر أدى إلى حدوث فجوة كبيرة بين المطورين والمهنيين، جرى ملؤها بمديري مشروعات غير أكفاء لهذه المهمة، فضلاً عن كونهم غير تقنيين، وهذا ما أدى إلى ازدياد هذه الفجوة بمرور الوقت.
أسباب ازدياد الفجوة بين المهنيين والمطورين
ويعود ذلك إلى:
- قلّة عدد التقنيين المبادرين للقيادة.
- زيادة عدد المديرين غير الأكفاء، وتواصلهم المباشر مع التقنيين، أدى إلى ازدياد كره المطورين لكل ما يتعلّق بالقيادة.
وهذا ما أدّى إلى تعريف التقني، بأنه شخص يجهل في أمور الإدارة، ويصعب عليه التعامل مع البشر.
ما الإجراءات المتّبعة لتقليل الفجوة بين المطورين والمهنيين؟
نذكر من هذه الإجراءات:
- ينبغي على التقنيين أخذ زمام المبادرة، وأن يكونوا متعددي المهارات، ليوازنوا بين المهارات التقنية والمهارات الإدارية.
- زيادة التعاون اليومي بين المهنيين والتقنيين في الفريق (متعدد الوظائف)، وهو المبدأ الرابع من مبادئ أجايل.
الخلاصة
من اجتمع في 2001م وقام بكتابة مبادئ الأجايل (الإدارة الرشيقة) هم مبرمجون وتقنيون محترفون من الدرجة الأولى. وجدوا في أنفسهم القدرة على صياغة أسلوب إداري يناسب طبيعة هذه الصناعة (صناعة البرمجيات).
لذا ينبغي عليك أيها التقني أن تكون ذاتيّ الإدارة وذاتيّ التنظيم، لتمتلك القدرة على مواجهة كافّة التحديات أثناء صناعة المنتج الرقمي.
وأحد معاني أن يكون الفريق ذاتيّ التنظيم:
يعني أنّ أحد المهام الموكلة إليه هي تقييم آليات عمله، وسلوكه، ومعرفة كيفيّة تطويره.
وهذا هو الطريق الذي سيقودنا إلى المبدأ الأخير من مبادئ أجايل في المقال التالي.
بهذا نكون قد انهينها الحديث عن المبدأ الحادي عشر من مبادئ الإدارة الرشيقة، والذي تحدّثنا فيه عن فائدة وجود فريق العمل ذاتي التنظيم، وكيفية بنائه عمليّاً.
وبهذا المقال تكون رحلتنا شارفت على الانتهاء، فلم يبق سوى المبدأ الثاني عشر فقط.
وبه سنختم سلسلة مقالاتنا عن مبادئ الأجايل ضمن دليل أجايل في المنتجات الرقميّة.
وإننا نسعد بمعرفة رأيك عبر التعليقات أدناه، علماً بأنّه بإمكانك طرح استفساراتك عبر البريد الإلكتروني الخاصّ بنا أيضاً. تواصل معنا الآن..